مسائل في فقه وسائل التواصل الاجتماعي

أصبح من نافلة القول إن وسائل التواصل الاجتماعي، غدت ركناً ركيناً من حياة الإنسان المعاصر، من حيث الانتشار والاستخدام اليومي على مدار 24 ساعة، وبات من الصعوبة بمكان تصور الحياة من دونها؛ لتغلغلها في تعاملاتنا اليومية.

ومع هذا الانتشار استجدت مسائل فقهية مرتبطة بها، حيث بات الإنسان يقع في المحرمات أو المكروهات أو يخالف السنن والأخلاق خلال استخدامه لها؛ معتقداً أن حركة الحياة في العالم الافتراضي تختلف أحكامها عما ينبغي التعامل به في الحياة العادية، وهذا وهم بائن، فالحكم واحد لا يختلف في الشريعة باختلاف الأدوات.

وسأسوق هنا بعض المسائل الفقهية الخاطئة، التي أجد أن غالبية من الناس يقعون فيها، والتي لمستها من خلال تواجدي في هذا العالم.

أولا: رد السلام

إلقاء السلام سنة عند جمهور العلماء، وهو سنة عين على المنفرد، وسنة كفاية على الجماعة، والأفضل السلام من جميعهم لتحصيل الأجر وقد دأبنا خلال استخدامنا لوسائل التواصل، على إلقاء التحية بالنص أو الصوت مع الآخرين، عند مراسلتهم والحديث معهم بحوائجنا.

وإذا كان السلام سنة، فإن رد السلام فرض بالإجماع وعدم الرد فيه أثم محقق بالدليل لقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) ولحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع؛ وفيه: (ورد السلام) البخاري.

قال النووي في المجموع: وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد، فالجواب: فرض عين في حقه وإن كان على جميع فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحد منهم أجزأ عنهم، وسقط الحرج عن جميعهم، وإن أجابوا كلهم كانوا كلهم مؤدين للفرض، سواء ردوا معاً أو متعاقبين، فلو لم يجبه أحد منهم أثموا كلهم

الخطأ الذي يقع فيه مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هو إهمال رد السلام الكتابي أو الصوتي ظناً منهم أن حكمه في الكتابة مختلف عنه في ممارسة الحياة اليومية.

والصواب أن رد السلام المكتوب واجب وجوب السلام المنطوق، يقول ابن حجر الهيتمي جواباً على سؤال هل يلزم رد السلام لمن يصله عبر كتاب: وأما المرسل إليه: فلزمه الرد فورا، ثم إن كان السلام عليه بالإرسال لزمه الرد باللفظ، وإن كان بالكتابة لزمه الرد بهاد… (الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي) 1-4 ج4.

وبناء على ما تقدم؛ من كتب لك عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي سلاماً مكتوباً أو عبر رسالة صوتية أو مرئية وجب عليك رد السلام، وإلا فقد لحقك إثم عدم الرد.

ثانياً: الكذب

مرض عمّ به البلاء في عصرنا الراهن وقد استمراه البعض، و الله تعالى توعد الكاذبين باللعنة وسوءِ المصير فقال تعالى: (إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ) وقال جل جلاله: (فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِين) .

 وقال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا) (أخرجه البخاري في الأدب) ومسلم.

وعده النبي من النفاق وآياته بقوله: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَف وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) (البخاري).

وقد اتخذ الكذب شكلاً جديداً في وسائل التواصل الاجتماعي ووقع فيه خلق كثر بسبب ممارسات الكترونية فعلها كذب بواح ويجري على صاحبها إثم الكاذب فيما يتوهم السواد الأعظم وبعضهم من أهل العلم والمتصدين للدعوة مع شديد الأسف أن لا إثم في هذا الفعل.

ومن نماذج هذه الممارسات ويمكن القياس عليها على سبيل المثال؛ في تطبيق الواتساب أضاف التطبيق خاصية ظهور علامة (صح ) عند إرسال الرسالة للمرسل إليه، ثم تتحول العلامة إلى صح (عدد 2 ) عند وصلوها لهاتفه، ثم تتحول العلامتان إلى الأزرق، عند قراءة الرسالة.

وقد احتج مستخدمو التطبيق على إضافة خاصية اللون الأزرق، وهم من الاشخاص الذين يرغبون بقراءة ما يرسل إليهم من رسائل، وإيهام المُرسل أنهم لم يقرئوا ما أرسل اليهم، فاستجابت الشركة للاحتجاجات وأضافت إمكانية إزالة هذه الخاصية من الاعدادات.

وقد أسعد هذا الأمر شريحة من المستخدمين خصوصاً المشاهير منهم، لكن هذا الفعل عند المسلم كذب بواح يلحق صاحبه إثم الكذب من عدة وجوه:

 أولها؛ أن إلغاء الإعدادات وتغيير خاصية القراءة وقع بنية إيهام المرسلين بعدم القراءة مع وقوعها.

 الثاني؛ أن من يفعّلون هذه الخاصية يصابون بالحرج عند اللقاء بالمرسل إليهم فيبيحون لأنفسهم الكذب اللفظي بالقول، أننا لم نقرأ، أو قول ما يوحي بذلك، وقد علم الله المطلع على السرائر كذب القائل، وإن نجح في إقناع المقابل بصدقه.

ما أسلفت ذكره هو نموذج، وعليه يمكن القياس فيما سوى ذلك مما استحدث من وسائل التواصل الاجتماعي أو هو قيد الاستحداث.

مسألة تربوية

وبعيداً عن الحكم الفقهي، فإن للأمر تبعات تربوية، فانتشار الكذب على السنة الناس وتحوله إلى ظاهرة اجتماعية لا يعني تحول الحكم الشرعي من الحرمة إلى الحل أو الكراهة أو ما دون ذلك، وفي الحديث الضعيف سنده، ويصح وقفه لابن مسعود، ومعناه صحيح: (لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا ).

لذلك؛ واجب على كل مسلم أن يصون لسانه عن الكذب، نظراً لكونه من أبشع الأخلاق التي نفرت منها الإسلام، وهو أشد وجوباً على من يُعرف بين الناس بأنه من أهل العلم أو طلابه، ومن يقدم نفسه للعوام على أنه داعية، ومن يتصدى للعملية التربوية كأن يكون معلماً أو مدرساً أو أستاذاً، فإن ممارسته كذب التواصل الاجتماعي يجعل الأمر مسوغاً لعامة الناس هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإنه بفعل الكذب يسقط بعين الله، فإذا حصل ذلك سقط تالياً بعيون الناس.

وهناك من يستخدم الحيل لممارسة هذا النوع من الكذب بشكل مختلف، كأن يقرأ الرسالة المرسلة إليه في مركز الإشعارات ثم يقول للناس إني لم أطلع عليها، وقد نسي المسكين أن عالم التواصل الالكتروني عالم رحب تتنوع فيه وسائل الوصول للمعلومات خصوصاً عند الأجيال الشابة، فهناك وسائل وطرائق يمكن كشف الكذب الإلكتروني بها لم تنتبه لها أو تعالجها تطبيقات التواصل، منها مثلا في الواتساب فإن إطلاع الشخص على الرسالة وهو قد الغى خاصية اللون الأزرق تتيح للمرسل إليه أن يعرف متى دخل الشخص للتطبيق، فيظهر تحت اسمه دخل بتاريخ كذا، أو إذا فتح المرسل إليه الرسالة وكان المرسل متواجداً يظهر له عبارة (متصل الآن) وهذه نماذج من الطرائق، فلماذا يعرض أحدنا نفسه للسقوط بعين الله والناس؟.

ومن وجهة نظري الشخصية أن هذا الفعل من خوارم المروءة المعاصرة، فإذا كانت هذه الخوارم في زمن الأقدمين المزح والأكل في الشارع … فإن مثل هذه الممارسات باتت من الخوارم التي لاتليق بالمسلم وهي دليل جبن من يقوم بها، فلو كان شجاعاً لواجه حاجات الناس بالقبول والرفض أو الاعتذار، والانشغال ليس مسوغاً لتحليل ما حرم الله وفعل المنكرات.

اقْرَأ لي كذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top