مقابلة أجريت في آب 2007، لصالح مجلة الحوار، مع الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين الأمين العام للاتحاد الإسلامي الكردستاني.
مقدمة
مع صدور العدد (60) من مجلة الحوار تكون قد أمضت خمس سنين من عمرها في مجال الصحافة الناطقة بالعربية في إقليم كردستان العراق؛ ويرعى الاتحاد الإسلامي الكردستاني هذه المجلة منذ صدورها في إطار ما أسميه إن – صح التعبير- إمبراطورية إعلامية عمل الحزب على إيجادها وتشكيلها منذ انطلاقه رسميا عام 1994م على الرغم من محدودية الامكانات وضيق ذات اليد.
تتشكل الإمبراطورية الإعلامية من مجموعة مؤسسات إعلامية:
مؤسسات (مرئية) يصل تعدادها إلى (12) محطة بث تلفزيوني محلي تبث باللهجات المعتمدة لسكان الإقليم وتراعي الخصوصية المناطقية.
مؤسسات (مسموعة) يزيد تعدادها على هذا الرقم بقليل تعمل على الموجات الـقصيرة والـ F Mوتسعى للامتداد والتوسع لتستوعب في دائرتها أكبر مساحة جغرافية ممكنة تتجاوز في كثير من الأحيان رقعة إقليم كردستان العراق وتبث باللغات (الكردية، العربية، التركمانية)، إلى جانب إذاعة خاصة بالقرآن الكريم تبث برامجها في خدمة كتاب الله الكريم منذ أكثر من عام.
مؤسسات (مقروءة) تشمل عددا مهما من الصحف والمجلات باللغات الكردية والعربية وباللهجات الكردية المعتمدة.
الحوار المجلة الشهرية الثقافية السياسية الناطقة بالعربية واحدة من هذه المؤسسات التي تتبع الاتحاد الإسلامي؛ وفي مناسبة صدورها نحاول في هذا اللقاء أن نسلط الضوء مع السيد (صلاح الدين محمد بهاء الدين) أمين عام الاتحاد الإسلامي الكردستاني على هذا الجهد الإعلامي الكبير في محاولة منا لفهم رؤية ومنهجية واستراتيجية الحزب التي يعتمدها في نهجه الإعلامي.
أولا شكرا جزيلا لكم على إتاحة هذه الفرصة ومنحنا هذا الوقت للحوار في موضوع الإعلام الذي يشغل حيزا مهماً من عمل الاتحاد الإسلامي الكردستاني..
مجلة الحوار- جهود كبيرة وأموال طائلة ينفقها حزبكم على مجموعة مؤسسات إعلامية محلية، فيما تتجهون بخطى حثيثة نحو العالمية من خلال ما يتردد عن فضائية كردية برؤية إسلامية ستطلقونها في الأثير قريبا، إلى أين تريدون الوصول؟.
الأمين العام : إن الاهتمام بالإعلام هو اهتمام بالإنسان والمجتمع وعمل على صناعة الرأي العام وتفجير الطاقات الفنية والثقافية وتوعية الجماهير وتعريفهم بمبادئ الإسلام ومعالم السلوك السوي وحقوق الانسان والديمقراطية وحقوق المواطنة، فمن هذا المنطلق لم نتخلف ضمن المقدور الممكن عن إنشاء المؤسسات الإعلامية المحلية من التلفاز والراديو والصحافة ونحن نعمل بجدية ونتهيأ لإطلاق فضائية كردية إسلامية تعكس الواقع الحقيقي للمجتمع الكردستاني وأصالته وتمجد تاريخ الشعب الكردي وماضيه العريق ودوره المتميز في الحضارة الإسلامية والإنسانية..
الحوار: الاتحاد الإسلامي الكردستاني جماعة دعوية تمتد عشرات السنين في تاريخ الساحة العراقية، الحزب هو ثمرة من ثمرات هذه الدعوة، كيف تصف لنا منهجيتكم الإعلامية هل هي إكمال لرسالة الدعوة التي تنتمون إلى جذورها؟ أم هي دعاية حزبية تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية دعائية مشروعة من خلال مساحة عمل إعلامي مشروع ومفتوح للجميع؟
الأمين العام: لا شك أن عمقنا الدعوي من مفاخرنا ورصيدنا التربوي والفكري وليس هناك ثمة تناقض بين الدعوة والعمل الحزبي مادامت السياسة جزءاً من الدين كما أن الدعوة جزء أساسي منه.. فالإعلام يكون في خدمة دين المواطن والمجتمع وفي مصلحتهما وتنميتهما وسعادتهما وازدهارهما ..
نحن في الاتحاد الإسلامي لا نؤمن بفصل الدين عن الحياة، كما لا نرى أي تعارض بين الدعوة مع السياسة، إنما نعتقد بالصيغة التكاملية بينهما، فالدعوة الإسلامية مائدة غذاء الروح والقلب والنفس والجسد، وما السياسة الشرعية المشروعة إلا امتداد لها وتكملة لمشروعها الإيماني والتربوي والأخلاقي، فالسياسي المتدين المتربي يكون مخلصاً وصادقاً مع نفسه ومع شعبه ومع ربه ويتعبد بخدمة شعبه ونفعه للمجتمع ..
الحوار: إذاعة القرآن الكريم في أربيل في أي إطار تدرجونها ضمن استراتيجيتكم الإعلامية (دعوة) محضة لجذب الجماهير لكتاب ربهم؟ أم (سياسة) توظف تعاطف الشعب مع الدين نحو منهجية سياسية معينة؟
الأمين العام: إذاعة القرآن الكريم في اربيل جزء من مشروعنا الإعلامي، وخدمة متواضعة لقراء القرآن الكريم وعشاق تعلمه وحفظه وتلاوته وتدبره، ويكفينا شرفاً أن نخصص إذاعة خاصة بالقرآن الكريم وتلاوته على مدار النهار والليل، و هي خدمة لجماهيرنا المتعلقة بالقرآن الكريم تعليماً و تلاوة وليس وراءها غير مرضاة الله سبحانه..
الحوار: مجلة الحوار موضوع هذا اللقاء شهرية ثقافية ناطقة بالعربية، لمن توجهونها للمثقف الكردي؟ أم للمثقف العربي؟
الأمين العام: مجلة الحوار ثمرة محترمة للجهد الكريم الذي قدمه مكتب الإعلام والأقلام الأصيلة وأصحاب الفكر النيّر خلال السنوات الخمس المنصرمة، والهدف الأساسي هو مخاطبة قارئ العربية من المثقفين الكرد والمثقف العربي عموماً بمقالات فكرية وثقافية وخبرية تعبيراً عن المشروع الفكري والثقافي للاتحاد الإسلامي الكوردستاني و نقلاً له إلى قارئها.
الحوار: إلى جانب الحوار هناك (الأفق الجديد) جريدة أسبوعية ناطقة بالعربية، وساعات طويلة من البث الإذاعي والتلفزيوني باللغة العربية؛ هل هي رسالة سياسية إلى الجوار العربي؟ أم هي منهجية دعوية تنطلقون منها؟
الأمين العام: منهجية الاتحاد الإسلامي الكردستاني في الاهتمام باللغة العربية وبالمشاهد والقارئ والمستمع العربي، تنطلق من قناعتنا بان اللغة العربية اقرب اللغات إلى اللغة الأم (الكردية) تأريخاً وجغرافيا وحضارياً ونعتبر تعلمها وإتقانها ونشرها في مجتمعنا الكردستاني حاجة اجتماعية وثقافية بالإضافة إلى ضرورتها الدينية لتسهيل فهم القرآن الكريم والحديث الشريف والنصوص الشرعية، هذه قناعتنا ونحن أحرار.
الحوار: في الأعوام الأخيرة من (الحوار) نشرت مشاركات لكتاب وأكاديميين عرب من العراقيين مثل الدكتور (عماد الدين خليل) الكاتب والمفكر الإسلامي العراقي، والدكتور (سعد سعيد الديوه جي) باحث ومفكر من جامعة الموصل، ومن العرب (نبيل البكيري) يمني، و(أسامة الهتيمي) مصري، و(عبد الحميد الكبتي) ليبـي، و(شعبان عبد الرحمن) مصري، (د. ليلى أحمد الشاطر) سورية، هل تعتقد أن الإسلاموية هي السبب؟ وما مدلولات ذلك سياسيا واجتماعيا برأيك؟
الأمين العام: مشاركة هؤلاء الكتاب الأفاضل زخم ودعم وسند واعتبار إضافي للحوار، مؤكداً على أن قسماً من هدف المجلة قد تحقق وأصبح للمجلة قراء من المثقفين العرب بل كتاب فيها، فالاسلاموية كما تقول جسر حقيقي وآصرة أصيلة بين الشعوب المسلمة التي مزقت وحدتها الانانية والعنصرية ومؤامرات المستعمر، وباعدت بين أبنائها وفرطّت بإرثها الثقافي ورصيدها التاريخي وماضيها الحضاري. فهنيئاً لكم و شكراً جزيلاً لهؤلاء الأساتذة على مساهمتهم المشكورة..

الحوار: من يعرف الاتحاد الإسلامي الكردستاني عن قرب يعرف ضيق ذات اليد وتواضع الامكانات، فأنتم لا تملكون إمكانيات أحزاب السلطة على الرغم من كونكم حزبا مشاركا في السلطة!!! كيف تديرون عملا إعلاميا بهذه الضخامة والسعة بإمكانات متواضعة؟ إلى جانب سعيكم للوصول نحو الفضاء؟.
الأمين العام: في الحقيقة يكمن سر هذا النجاح مع ضيق ذات اليد وتواضع الامكانات في الهمة العالية والإخلاص الخالص والنفس الطوعي الذي تتحلى به كوادر هذه المؤسسات، ولا نعتمد بعد التوكل على الله إلا على الهمم العالية لهؤلاء الإخوة والأخوات الإعلاميين وحرصهم على سد فراغ الامكانات بتفانيهم ورساليتهم، وبنفس العطاء نسعى نحو الفضاء إن شاء الله.
الحوار: وبمناسبة الحديث عن الفضاء والفضائيات هل يمكن أن تخص مجلتنا بخبر عن المشروع يمكن أن يحقق لنا سبقا صحفيا؟
الأمين العام: العمل جارٍ في تهيئة مستلزمات القناة مادياً وفنياً ولكن تحديد الموعد غير عملي لما في هذا المجال من المعوقات.
الحوار: إذا سمحت لي أن أخوض معك في محور آخر يتعلق بالإعلام أيضا، البعد الأكاديمي يؤكد على أن للإعلام الحزبي سلبيات تؤثر على مؤشر ومعايير حرية الصحافة في البلدان الديمقراطية وذلك للقيود التي تفرضها الأحزاب على هيئات الإدارة والتحرير، هل ترسمون للصحفيين العاملين في مؤسساتكم خطوطا حمراء وأخرى خضراء؟
الأمين العام: الظرف السياسي والاجتماعي بدون شك يتطلب وضع إطار عام وخطة عامة لسياسات الإعلام كي يتناسق مع الخطة الاستراتيجية العامة للحزب، مع أن الأصل في الإعلام هو الانطلاق والحرية والخط الأخضر، إلا أن عائديته الحزبية وفي بلاد كبلادنا تحتم عليه بعض التحفظات والملاحظات الحمراء، ونحن بدورنا نحاول أن تقليص هذه الدائرة ونوسع مساحة الحريات و الانطلاق و التحرر.
الحوار: أنا شاركت مع منظمة (I R E X) في وضع مؤشر للإعلام العراقي برعاية اليونسيف، وقد خرجت اللجنة الاستشارية بنتيجة تؤكد على أن حرية الصحافة في تراجع، وأن الإعلام العراقي خرج من إعلام الحزب الواحد إلى إعلام الأحزاب المتعددة، ألا يمكن للأحزاب العراقية والكردستانية وأنتم من ضمنها أن تقدم دعما ما للإعلام الحر، ونحن نعرف أن حرية الصحافة تساهم في بناء النظام الجديد في العراق؟.
الأمين العام: لا شك أن الإعلام الحر والمستقل باعتباره القوة الرابعة يخدم المجتمع ويهيئه لمستقبل زاهر، كما أن الإعلام جزء من المجتمع وتعبير عنه هو رابع القوى ولا يسعه أن يتقدم على القوى الثلاثة الأخرى (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وقد شرع بعض الصحفيين بإنشاء صحافة حرة وترويج النشاطات الإعلامية غير الحزبية ونجحوا إلى حد ما في خلق أجواء حرية التفكير والتعبير ومراقبة الحاكم والشفافية والإصلاح ونتمنى لهم النجاح الأكبر وبدورنا نشجع الإعلام الحر..
الحوار: أخيرا هل سنشهد تغيرا ما في نهجكم الإعلامي الحالي؟ وهل ستتوسعون في دعم الإعلام الناطق بالعربية أم أنكم راضون عن القدر الذي أنجزتموه في المرحلة السابقة؟.
الأمين العام: نتطلع إلى مستقبل واعد للإعلام عموماً، وللاهتمام الأكثر بالإعلام الناطق بالعربية، ونسعى لتطوير الموجود وإعداده لغد مشرق، فالمقدار المقدم ليس قليلاً ولا سهلاً ولكننا نسعى للمزيد من التطور..
وأخيراً بارك الله فيكم في ذكرى صدور الحوار وسدد الله خطاكم ونفعكم بها وتقبلها منكم ووفقكم للمزيد من التقدم..

