أهمية ودور المؤثرين في بناء الصورة الذهنية للدول

لم تعد الصورة الذهنية للدول اليوم تُبنى فقط عبر الخطاب الرسمي أو الإعلام التقليدي، بل باتت تتشكل بدرجة كبيرة من خلال ما يقدمه المؤثرون عبر المنصات الرقمية، حيث يتقاطع تأثيرهم مع أنماط جديدة من تدفق المعلومات وصناعة المعرفة.

هذا الدور المتنامي يجعل من المؤثرين قوة فاعلة في رسم الانطباعات، وتشكيل الوعي الجمعي، بل والمساهمة في صناعة الهوية الثقافية للدول أمام شعوبها والعالم.

أولاً: المؤثرون بين تدفق المعلومات وصناعة المعرفة

لقد أحدث انتشار وسائل الإعلام الجديدة تحوّلاً جذرياً في الطريقة التي تصل بها المعلومات إلى الجمهور؛ فأصبح المؤثرون بمثابة جسور تنقل المحتوى بسرعة هائلة، متجاوزين القيود الزمنية والجغرافية التي كانت تفرضها الوسائل التقليدية.

لكن الأهم من ذلك أن كثيراً من المؤثرين لا ينقلون المعلومات فحسب، بل يعيدون صياغتها، ويوجهون النقاشات حولها، ويضفون عليها أبعاداً معرفية وقيمية قد لا نجدها في الأخبار الرسمية.

ثانياً: نوع المعرفة التي ينتجها المؤثرون

المؤثرون ليسوا مجرد صناع محتوى ترفيهي أو تجميلي؛ بل يمكن أن يكونوا منتجين لأنماط متعددة من المعرفة، منها:

  • المعرفة التوعوية: نشر الوعي الصحي، البيئي، والاجتماعي.
  • المعرفة الثقافية: الترويج للتراث، الفنون، والآداب المحلية.
  • المعرفة القيادية والتحفيزية: دفع الأفراد نحو الريادة، الابتكار، والمبادرات المجتمعية.
  • المعرفة النقدية: طرح الأسئلة حول السياسات أو القضايا المجتمعية بروح بنّاءة.

ثالثاً: من الترفيه إلى القيادة والتغيير

أحد أبرز التحديات هو انزلاق كثير من المؤثرين نحو المحتوى الفارغ الذي يلهي أكثر مما يبني؛ وهنا تبرز الحاجة إلى إعادة توظيف المؤثرين ليكونوا منتجين لمحتوى يلهم الأفراد، ويحفّز على القيادة والتغيير والابتكار والكفاح.

يمكن تحقيق ذلك عبر:

  • تشجيع المؤثرين على تقديم تجاربهم الشخصية في العمل والنجاح.
  • دمج قصص حقيقية من التاريخ والثقافة الوطنية في محتواهم.
  • بناء شراكات مع المؤسسات التعليمية والبحثية لتزويدهم بمضامين علمية ورصينة.

رابعاً: تأهيل المؤثرين لمستوى المسؤولية

حتى يكون المؤثرون على قدر الدور المطلوب منهم في بناء الدولة وتعزيز القيم، لا بد من تأهيلهم عبر:

  • برامج تدريبية متخصصة في الإعلام الرقمي، أخلاقيات النشر، والتواصل المسؤول.
  • إيجاد حاضنات للمحتوى الثقافي والمعرفي تتبنى المؤثرين وتوجه إنتاجهم.
  • تعزيز ثقافة المسؤولية الوطنية من خلال ربط المؤثرين بمبادرات مجتمعية وتنموية.

خامساً: المؤثرون في بناء مجتمع المعرفة

الدور الاستراتيجي للمؤثرين لا يتوقف عند صناعة محتوى لحظي، بل يتعداه إلى الإسهام في بناء “مجتمع معرفة”، أي مجتمع يستخدم المعلومة لإنتاج قيمة حقيقية.

المؤثر الذي ينشر فكرة مبتكرة، أو يسلط الضوء على مبادرة تعليمية، أو يروج لقيم العمل والعلم، يصبح مشاركاً في مشروع نهضة وطنية، وليس مجرد وجه إعلامي.

سادسا: أمثلة على حملات نجحت في توظيف المؤثرين

1-حملة شركة Dove تحت عنوان   “Real Beauty”

  وظفت الشركة مؤثرين وخبراء في علم النفس، وضعت لها هدف إعادة تعريف مفهوم الجمال الواقعي بعيداً عن المقاييس المصطنعة، وقد ساهمت في خلق نقاش عالمي حول الثقة بالنفس والجمال الطبيعي، وحققت نجاحا كبيرا.

2-حملة أطلقت عام (2014) تحت عنوان “Ice Bucket Challenge”
انتشرت عالمياً عبر المؤثرين والمشاهير لدعم أبحاث مرض التصلب الجانبي المعروف بـ (ALS)   جمعت الحملة أكثر من 115 مليون دولار، وأظهرت قوة المشاهير والمؤثرين في وسائل التواصل في توجيه الناس للعمل الخيري.

3-الحملة العالمية التي أطلقتها شركة Always عام  “Like a Girl” – (2015)
 اعتمدت الشركة على مؤثرين وفتيات شابات للتحدث عن التحديات المرتبطة بالصورة النمطية للمرأة (من وجهة نظرهم).

 الحملة أحدثت أثرا كبيرا في الوعي بقضايا المساواة ومفهومها، وتحولت إلى شعار عالمي.

4- حملة “Share a Coke” – لشركة كوكاكولا:
استخدمت الشركة أسماء شخصيات مؤثرة على الزجاجات، وروّج مؤثرون عالميون للتجربة على منصاتهم، ما أدى إلى تفاعل ضخم وأعاد إحياء علاقة الجمهور بالعلامة التجارية بطريقة ودية وشخصية.

5- حملة “Stay Home” – خلال جائحة كورونا:
في كل أنحاء العالم، استعانت الحكومات بمؤثرين محليين وعالميين لإيصال رسائل الوقاية بشكل أكثر قرباً وسلاسة للجمهور، وكان تأثيرها مباشراً على الالتزام بالتعليمات الصحية.

6- حملة “This Is Egypt” – للترويج السياحي:
استخدمت مصر مؤثرين عالميين لتغطية زياراتهم لمناطق سياحية وأثرية.

الحملة لاقت تفاعلاً كبيراً، وأسهمت في جذب الانتباه الدولي للسياحة المصرية.

7- حملة “مواسم السعودية” (Saudi Seasons):
وظفت المملكة مؤثرين عالميين ومحليين للترويج للفعاليات الثقافية والفنية، بهدف تقديم صورة جديدة عن المملكة للعالم؛ كدولة علمانية بعيدا عن الصورة النمطية لها كدولة إسلامية.

خاتمة وتوصيات

في ضوء ما سبق، فإن توظيف المؤثرين بات ضرورة ثقافية وإعلامية، لا مجرد خيار تسويقي؛ وهنا يمكن للمؤسسات والدول على حد سواء أن تلعب دوراً محورياً عبر:

  1. إطلاق حملات إعلانية وطنية توظف المؤثرين في الترويج للقيم الوطنية والثقافية.
  2. إنشاء منصات رسمية للتواصل مع المؤثرين وتقديم الدعم لهم.
  3. تحفيز المحتوى النوعي عبر جوائز، مسابقات، وشراكات مع الجامعات ومراكز البحث.
  4. تبنّي برامج المؤثر المسؤول كجزء من استراتيجيات القوة الناعمة للدولة.

بهذا يصبح المؤثرون جزءاً من معادلة التنمية الثقافية والفكرية، وصناع صورة ذهنية إيجابية تعكس مكانة الدولة وهويتها في الداخل والخارج.

Scroll to Top